خاطرة " ما فنيّ السؤال حتى الآن" الأردنية أميرة محمد برغوث

 ما فَنِيَ السؤالَ حتى الأن.      

 

         روحي تجهشُ بالبكاءِ و تَئِنُ و تَشْهَقُ على الفؤادِ، الصَّدمَةُ تَعْتريني، أيعقلُ بأنَّ  الكابوسَ تحققْ،  أكادُ لا اصدقْ، تحقق  الأن و إِسْتَيْقَنَتْ مخاوفي و ذُلَّ قلبي، أدمنتُ قَسْوَتُكَ حتى لم أكترثْ بجرحِ الفؤادِ، أدْمنْتُ جَلْجَلَتُكَ ثم تَحَنُننك، أدمنتُ تتَيُمك و شَنائَتُكَ، أدْمنتكَ في كلِّ الأحوال حتى جاءَ يومًا و شُفيتُ منك و لم أتوقعْ ذلك و لكنني شفيت. 

 

         لماذا أنا؟ لماذا أنا يا أُمي، لا أستطيعُ البوحَ لكَ بقهري؟ لماذا أنا لم تَرْبتي على كتفي و تُهَدُئي من رَوْعي؟ لماذا يَجِبُ عليَّ كَتْمَ الشعور؟ لماذا أنا أُقْهر بلامبالاتك؟ لماذا لم تَكْتَرثي بآلامِ قلبي؟ ألا يعني لك دَمْعي شيئًا؟ ألا تتألمي من أجلي؟ لماذا ينبغي عليَّ إخفاءَ دمعي خشيةَ رؤيةَ الحسرةِ في قلبك؟ لماذا لم تدعيني أعتادُ على البوحِ لك؟ لماذا لم تكوني لي صديقة؟ و شقيقاتي كذلك، لماذا تَركْتموني وحدي و هو مدمرٌ جوفي؟   

 

      منذ طفولتي كنت مهزاقةً مبتسمةً منينةً وثيقةً، أُجيدُ فنَّ إِكْنان الشعورِ و إِبطانَ الشَّهَقات الباكية و بكيتّ لأيامٍ و شهورٍ بين نفسي و الياء، و لم يعلمْ أحد بوَصَب قلبي و جَزَعه الذي يقامُ كلَّ ليلةٍ بدموعِ اليأسِ و الخوفِ و الاحتياجِ لأمي مهجةُ قلبي، آهات يا أمي كم هو مؤلمٌ أنتِ بقربي و بعيدةٌ عن قلبي كبعدنا عن الوطنِ،  و أَكْمَنَ غمّ القلب و كآبته ببسمات العزيمة و الإصرار بأنني لن انهار. 

 

    سَلْوتي التي تقامُ كلَّ ليلة في قلبي على حُبْ أمي الذي لطالما افتقدته و هي تجلسُ بقربي، ضحكتُ لأمي و ابتسمت بسماتٍ أُثْبِتُ لها قوتي و نظرتُ لها و جوفي يردد: لم أنا يا أمي؟ لماذا تصدقين بسماتي الزائفةَ، دققي بأعيني و انظري لي ُ لك قلبي، لا تصدقي نجاحاتي و كلماتي عن ِ و الآمالِ، إنني ما زلت أمكث بين ركامِ الماضي و لم أنجو حتى الأن، إنَّني يا أمي ناجحةٌ في كتمِ أوجاعي و البوح عن أحلامي و إنَّني ُ الفتيات و قلبي مُبْتَهج و لكنني يا أمي أتعسُ الناس و بقلبي عَويلٍ و نَحيبٍ منذ سنين و كأنني خُلِقْتُ لتستقر بي الآلام و الأوهام، لم انا يا أمي؟  

 

     كنت طفلةً تلهو و تتعالى ضحكاتي و فجأةً أُصْفعْ على قلبي فتزولُ بسماتي، لماذا؟ كنت طفلةً لم أؤذي، كنتُ بريئةً، لماذا أنا اختارني الكمد؟ كنت أنطوي عنكم، و أتظاهرُ بالنومِ ولم أَبُحْ لأمي بانزعاجي، أجل منذ الطفولة أصرخُ يا الله، جوفي مُشْتَعِل، لم أَعُد أحتمل. 

 

     بعدَ سنواتٍ من العيشِ بمدينةِ الأحزانِ و العيشُ بقلبٍ متأَلمٍ، جاءَ فجر بعد ليلٍ طويلٍ و ضحكَ قلبي بابتهاج و عمّت الغبطةَ و ثغري باسم  بأمان و دموع الحرمان زالت و تناثرتْ دموع الاطمئنان، و كلمات الحمد لله رددتها مرارًا ولكن شاءَ القدرُ و عُدّتُ إلى مدينةِ الأحزان أَجْهَشُ بالبكاءِ بقلبٍ ملتهبٍ حتى الزوال، فلا حياةَ له بعد الان، و حُمِلَ قلبي بأحزان و بتت مع نفسي و دمع عيني شكسًا عاسًا و جوفي مهزومًا مندحرًا. 

 

   فقدتُ الأمانَ، فرإَيْتُ الرقيقَ الرهيفَ صفيقٌ ثخينٌ، و الجامدُ العُتُلّ الوخم مطهمٌ ممهدٌ، ها أنا أصبحتُ أُدْرُكُ و لا أُلْفق، أرى الحسنُ النزهُ نَتِنٌ كريهٍ محتقر، و الأثيمُ الخبيثُ بارٌّ شريفٌ، كانت آياديهم كالفأسِ هَدَّامةٍ مِتْلافٍ و أنا في أزِقةِ الطرقاتِ مستغيثةً يا رباه قلبي، بيداي كتمتُ صوتي و لم أبحْ بِقهْري و إِرغامي، آيادي مُدَّتْ لي قائلة: أمسكِ بس أنا الإنحاءُ أنا السلامةُ و لكنها سدَّدت بي إلى الهوةِ و آيادي أمسكتْ بي و كانت حقًا إبلالًا و براءةً و ظننها إرداءًا و إبادةً، آيادي تربت على كتفي و آيادي تثلُّ و تذُلُّ جوفي، آيادي تسندني و آيادي تذمُّ و ترجمُ و تجنحُ بي أرضًا. 

 

         أتعلمين يا أمي أحببته جدًا، و شعرتُ بالكثير من الأشياءِ عندما شعرتُ بقلبي يميلُ صوبه، شعرتُ بالخوفِ الكبيرِ و كان هنالك صوتٌ بقلبي حزينٍ يسألني هل هو يحبني هل سيكون كأمي؟  

لم أشعرَ ِ قطّ، و كأنني أعلمُ بأنَّه عابرَ سبيل و ليس للقلبِ خليل، لماذا أنا؟  

 

               أنا فتاةُ القوةِ التي لا تنحني و لا تسقطْ، أنا من قلتي لي يا امي : أنت  جبارة و قوية أكثر من شقيقاتك، لا يا امي لستُ قويةً ولا جبارةً، يا أمي، جوفي يناديك محتاجّ لك، اربتي على كتفي إنّي تألمتُ كثيرًا، و الآلامُ أكثر مما ينبغي، أنا أحتاجك و أخشى عِقابُكِ، أخشى مَلامَتـكِ أمي أنا فقيرةٌ لحنانك و محبتك. 

 

              كنت وحدي في مَلْحمتي و مأزقي مع نفسي عندما أجبرتها على مقارعة الهموم و الكَمَد، كنت وحدي عندما بكيت ليالي و أيام و أصبت بأرقٍ على أرقٍ و شوقٍ كاد يقتلني إلى من حطمني و أبادني، لا أحد منكم يعلم كم مرة ئلتُ للسقوط ؟ و كم مرةٍ سقطت؟


صمّمتُ على الشموخِ، و وقفتُ بقوةٍ كقوةِ الأسدِ، و قاتلتُ مجددًا و حاربتُ نفسي كي لا تيأسَ و قسوتُ عليها  كي لا تسقطَ، لم يعلم أحدًا منكم بأنَّ بسمتي البريئةُ الهادئةُ أحرقتْ جوفي، و أحرقتْ عيني و جفَّفتْ دمعي، لم يلاحظُ أحدًا منكم انهزامي. 

 

        اكتفي بنفسي و أنعزِلُ بجوفي، لا أحادثكم و صرخاتي تسمعونها ولكنَّكم تتجاهلون، الإكتئابُ أصبح مقيمًا و ليس ضيفًا، أنا نقيصةٌ بالنسيانِ و لا أريدُ سوى الكتمان، أمكثُ بالظلامِ و أتحدثُ بالأوهامِ.  

               أميرة محمد برغوث/الأردن.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار حصري مع الكاتب السوري "محمد حاج علي"« انا قلم يقاتل من أجل الحرية».

سعداوي اماني تكتب :" يا أماه".