صرخات أصيلة بقلم الجزائرية، فاطمة الزهراء بن يحيى.
صرخات أصيلة ..
" خيرة " صاحبة الخامس والثلاثين سنة .. ربة بيت وأم لثلاث أطفال : محمد بعمر الستة عشرة ، داوود عشر سنوات ، ويمينة ست سنوات ، وحامل في الشهر السادس ..
لكن في هذه الفترة ترك لها العم عبد القادر المسؤولية وذلك ثقة فيها فقد ذهب للجهاد مع بعض مجاهدي القرية واصطحب معه ابنه محمد ..
تنهض باكرا تذهب لتأتي بالحطب حتى والثلوج تتهاطل ، في برد الشتاء وتترك أبناءها نيام ، وبعدها تذهب وإياهم إلى حقلهم الذي استولى عليه الإستعمار الفرنسي الغاشم ، لتعمل فيه وتأتي بقوت يومها .. صابرة متحملة ، وتعود مساء لتعلم أبناءها الاثنان فأكبرهم ذهب مع والده وتحفظهم القرآن الكريم لما تعلمته في صغرها من والدها ، نظرا أنهم منعوا من الذهاب إلى المدارس القرآنية ..
رغم كل شيء كانت تردد جملة "المهم على جال بلادي" .. كانت مرأة مختلفة ..
بعد أيام لم تعد خيرة تستطيع تأدية أعمالها في الحقل لأنها دخلت الشهر السابع من حملها والمؤسف لا يوجد عمل آخر تؤديه فالاستعمار يبحث فقط عن سبب لبطشه وظلمه ، والأغرب من ذلك رزقها كان يتجسد في ثلاث دجاجات وبقرة فهي تقتات من البيض والحليب .. وقد استولى هذا الغاشم على البقرة وذبح الدجاجتان وبقيت دجاجة فقط .. لدرجة أنها كانت أحيانا تغلي الماء في القدر حتى ينام صغارها وتنسيهم الأكل .. ذات يوم وفي الصباح الباكر استيقظت ككل يوم لتقوم بأعمالها وتحضر العشاء لزوجها وابنها اللذان لم ترهما منذ زمن لأنه وصلتها رسالة بقدومهما في تلك الليلة .. ذبحت الدجاجة لتحضرها لهم أكلة .. وهي تقول : سيرزقنا الله من حيث لا نحتسب ..
حل المساء وهي تنتظر بلهفة ..
لكن فجأة انقض عليهم جنود المحتل أكلوا ما تم تحضيره وأخلطوا كل شيء بالبيت .. وذهبوا ..
عاد العم عبد القادر للبيت وعيناه تفيض بالدمع .. لم يستطع تحريكهما والنظر إليها .. للوهلة الأولى ظنت أنه متأثر بحال البيت .. فبدأت تواسيه ..
لكنها تفطنت بعد دقائق لمحمد ، أين هو يا عبد القادر ؟! صمت .. ثم أردف قائلا : استشهد يا خيرة .. طأطأت رأسها وقالت يا قرتي الصبر .. الصبر ..
فلذة كبدنا قد مات شهيد ! وكان ذاك مبتغاه فقد فضله الله !
كيف لها أن تكون بهذه القوة .. ثم انفجرت باكية بدمع حارق ..
وبعدها انتبهت إلى أن يد زوجها غير موجودة .. راحت في أحد الهجمات ..
كيف لخيرة أن تصبر وتقاوم وتتحمل !!!
في تمام الواحدة بعد المنتصف ودعها عبد القادر .. وكأنه الوداع الأخير ثم انصرف .. بعد لحظات سمعت طلقة رصاص .. لقد صوبت له في الظهر فاخترقت القلب .. لقد مات .. مااات .. والسبب من أوشوا به عند الجنود !!
في تلك الليلة الباردة .. اشتد عليها الألم .. لقد ولدت ووضعت طفلها .. وأسمته على والده ..
عاد الجنود في صباح اليوم الموالي .. كالجيش المهاجم ليروا البيت وهل به مجاهدون .. عذبوها أشد تعذيب .. ودعسوا ذلك الرضيع .. دفن قبل صرخاته الأولى !
كانت دائما تحدث ابنيها عمر ويمينة عن شجاعات والدهم .. وأنه في سبيل الوطن ترخس الروح ..
لكنها لقد ماتت هي الأخرى وتركتهم للحياة وللمستعمر ..
ماتت ولازالت ذكراها فذة ..
أقصوصة بعنوان : صرخات أصيلة ..
بقلم : فاطمة الزهراء بن يحي ..
الجزائر : ولاية سعيدة ..
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا من فضلك و تذكر "ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد".