ربى العامر تكتب : رمضان مبارك.

 

رمضان مبارك .. 


" أهو جيه يا ولاد .. هَيَّصوا يا ولاااد!!  


عِندَما كُنتُ طِفلَة طَرَقَ بابَ مَنزِلنا زائِرٌ لَم أراه , قالَت أُمّي جاءَ رَمضان..وصَدَحَ صَوتُ إمامِ المَسجِد "أَهلاً بِضَيفِ اللّه" , واشتَعَلَت الشَّوارِعُ بالأضواء! 


كُنتُ أَعتَقِدهُ شَيخاً وَقوراً هَبَطَ بِقُطرَتِهِ وعبائَتِهِ البَيضاء مِنَ الجَنَّة , فأضاءَ لَهُ أهالي قريتنا الشَّوارِع كَي يُضيء لَهُم نوراً في القُلوب! 


وَحَوي يا وَحَوي , ويّااحَة , وكمان وَحَوي , ويّااحَة!! 


كَبرتُ قليلاً , فأَخَذَ والدي يصطحبني وإخوتي وأخواتي إلى صلاة التَّراويح , رائحة المسجد , سكون المكان , صوتُ المؤذن , وشوارِعُ البَلدَة كانَت لِكُلِّ تلك المشاهد ولا تزال صُورَة كُلَّما حَلَّ عاماً بَعدَ عام تَنعَكِسُ علىالفؤادِ قَبلَ الذّاكِرَة! 


أهو جيه يا ولاد .. هَيَّصوا يا ولاد! 


بَعدَ الإفطار تنتشِرُ الأَجواءُ الحانِيَة , دعوني أُخبِركُم , ولتقولوا عَنّي عاطِفيّة, شديدَةَ الحَساسِيّة ; فأنا بالفعل مُرتَبِطَةٌ بطفولتي أكثر ما يكون الارتباط!! المهم كنا بعد أن ينتهي الإفطار ننطلِقُ للَّعِب أنا وإخوتي وأخواتي وأولاد عمومتي, وكأنَّ للِّعِبِ في هذا الشَّهرِ نَكهَة وطَعم خاص يَعلَق في الذَّاكِرَة , يا قلوبَ الأَطفالِ المُعلَّقَةِ في الذّاكِرَة يا لَوحَةَ السَّماءِ المُنعَكِسَة على الأَرض! 


تَقولُ فاطِمَة علي "والله زمان يا رمضان"! 


عِندما جابَ بي عَرّابي شوارعَ الزَّرقاء فكانت أضواءُ الشَّهر الفضيل في المَدينَة تَحكي : "طِفلَةٌ تتشبَّثُ باليَد ابنة وأَب", وعِندما يكونُ في الضَّفة تَحكي بأن قلب الابنَةِ فَرِحٌ مُغتَبِط , إذ مُحَمَّدٌ هُنا , والله زمان! 


أهو جيه يا ولاد هَيَّصوا يا ولاد! 


رمضانَ حالَة مُكَثَّفة مِنَ السَّعادة , غَيمَة إذا ما وجفت القلوبُ أَمطَرَت سكينة , أصدقاء يحثّونَ على الطّاعة , إخوة وأخوات تعني الرّابطة بهم أنَّ المعية بالله لا تنقطع , شُركاء يحفظون العَهد أنّا للعَهدِ إذا ما صامَ أن يُفطِر?! , وعائِلة كينونة دافئة , يراهم قلبي رؤية فلكيّة , ويسقترون في خابية الوجدان هلالاً في كُلِّ عامِِ يُضيء! 


مَرحَب شَهر الصّوم مَرحَب , لياليك عادت بأماان , بَعدانتظارنا وشوقنا إلييك جيت يا رمضان!


العَطَشُ فيهِ ارتواء , والتَّعَبُ فيهِ راحَةٌ بَعدَ طولِ عناء , والوقوفُ في المَطبَخِ ساعاتِِ طِوال , جلوسٌ في مقاعد السَّماء , فهل أَجملُ مِن سماع "أطعم الله من أطعمنا وسقى الله من سقانا" فيا سُقيا الجَنَّة , ويا طعامَ بَيتِ اللّه في جنانهِ ونعمائِه! 


يُقولونَ شَهر , وأقولُ مِنَ الله فَضل , سَبحَ النٌَهار , ووقوف اللَّيل , وأضواء الله المُعلَّقَةِ في قلوبنا , يا نورَ اللّه , يا فوانيسَ السَّماء! " 


وهذا رَمَضانُ الكَرَم ; فَهُوَ مبارك ;  حَتّى إذا ما جاءَ قُلنا: 


  رمضان مبارك . 



  _ربى العامر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار حصري مع الكاتب السوري "محمد حاج علي"« انا قلم يقاتل من أجل الحرية».

سعداوي اماني تكتب :" يا أماه".